المستخلص
تشكل الصحافة عنصرًا هامًا في المجتمعات كافة، بما تحدثه من تأثير في الرأي العام، يؤدي إلى تكوين الآراء والمعتقدات ووجهات النظر التي تسهم في تغيير أو تحسين شؤون الحياة المختلفة: سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا واجتماعيًا.
وأكثر ما يتاح للصحافة تأدية رسالتها السامية هذه أثناء احتدام الصراع وكثرة الحوادث وبروز ظواهر تهدد السلم والأمن الاجتماعيين، إذ تعمل على تنوير وتوعية أفراد المجتمع عن طريق استخلاص ونشر الحقائق، وسد النقص في المعلومات، ليتمكن الفرد والمجتمع من اتخاذ السلوك المناسب والتوجيه السليم.
لذلك فالصحافة مصدر هام من مصادر المعلومات في القضايا المختلفة، يلجأ إليها الأفراد والجماعات باستمرار حتى غدا من غير الممكن الاستغناء عنها.
ومن هذا المنطلق فإنّ الحوادث المصرية خلال المدة 1963-1968م مثّلت أهميّة كبرى في تاريخ المنطقة، نظرًا لما أحدثته من تأثير على الأرض وفي نفوس الناس، وما زالت آثارها واضحة حتى اليوم. كالقضية الفلسطينية، وحرب 1967م، والعلاقات بالقوى الكبرى، ونزعات التحرر من الهيمنة والتخلف وغيرها. وقد عملت الصحافة على تغذية تلك الحوادث وتحليلها، فكانت غذاءً يوميًا اعتاشت عليه نظرًا لجاذبيته وتنوعه وما يحمله من تحدٍ وآمال.
كان لجريدة الجمهورية العراقية حضور ملفت في تلك الحوادث، إذ عملت على متابعة تلك الحوادث ونقلها وصياغة الآراء ووجهات النظر حولها لتوعية المواطن والارتقاء بالمجتمع نظرًا لما تمتعت به الجريدة المذكورة من امكانيات مادية جيدة ومن جهاز إداري مميز جعلها واحدة من أهم الجرائد التي حظيت بالمتابعة الواسعة من لدن القراء العراقيين وقرّاء البلاد العربية الأخرى للبحث عن المادة الإخبارية والحوادث المختلفة التي تحقق له آماله وأمانيه.
والحوادث في المدّة المختارة من التنوع والكثافة بحيث يشعر المواطن بالتشتت والحيرة في متابعتها وفي تبيين حقيقتها ومراميها، كالتدخل العسكري المصري في اليمن 1963م، والصراع العربي الإسرائيلي، وآمال الوحدة العربية، والتخلص من الهيمنة الاستعمارية ومشاريع التنمية الاقتصادية وغير ذلك الكثير.
واخترنا موضوعنا الموسوم بـ(الحوادث المصرية في جريدة الجمهورية العراقية بين عامي (1963-1968م)) ليكون دراسة تضاف لما تم تدوينه من دراسات وبحوث تعنى بدور الصحافة العراقية في حوادث المنطقة وفي بيان سياستها الصحفية وسبل معالجتها للحدث، وقد سبق أن تناولت بعض الدراسات مواضيع في هذا المجال، كرسالة الماجستير التي قدَّمها الباحث وسام كريم محمود النعيمي والمعنونة بـ(دور الصحافة العراقية في الصراع العربي – الإسرائيلي 1967-1979م جريدة الجمهورية إنموذجًا) عام 2020م، وهي تكاد تقتصر على بحث الصراع العربي الإسرائيلي، خاصة عام 1967م، ولم تطرق لحوادث أخرى، كما قدَّم الباحث جاسب عبد الحسين صيهود الخفاجي أطروحة دكتوراه موسومة بـ(موقف الصحافة العراقية من الصراع العربي- الصهيوني 1948-1967م) للعام 2001م، وهي كسابقتها اقتصرت على تناول موضوع الصراع العربي – الإسرائيلي وتبيان موقف الصحف العراقية من ذلك الصراع، عن طريق تبني الأسلوب التحليلي منهجًا في البحث، وتناولت الباحثة ابتسام عاجل سعيد في رسالتها الموسومة بـ(موقف الصحافة العراقية من الأحداث السياسية في مصر 1977-1981م) للعام 2017م موقف الصحافة العراقية دون تحديد أيّة جريدة وموقفها من الأحداث السياسية في مصر، واقتصرت رسالة الباحثة شفاء كامل إسماعيل والموسومة بـ (جريدة الجمهورية وموقفها من القضية الفلسطينية من 18 تشرين الثاني 1963- 17 تموز 1968م) أي في مدّة رئاسة الأخوين عبد السلام وعبد الرحمن عارف، وقد نوقشت الرسالة عام 2020م. تطرقت الرسالة لبعض الأحداث التي رافقت حرب 1967م دون الخوض في أسباب الحرب وتداعياتها، كما ركزت على موقف الجريدة من القضية الفلسطينية.
جاءت دراستنا هذه لسد البعض النقائص وأكمال ما تناولته الدراسات السابقة، فالدراسة لم تقتصر على موضوع واحد، بل تناولت موضوعات عدّة في غاية الأهميّة منها، كما أنّها لم تقتصر على دراسة جانب واحد، كالجانب السياسي بل اهتمت بمجالات أخرى: اقتصادية وعسكرية وثقافية وغيرها، وفضلت الدراسة الاعتماد على جريدة الجمهورية أساسًا، نظرًا لأنَّ الجرائد العراقية الأخرى تنقل الخبر نفسه، وبالتالي يمكن الاستغناء عن باقي الجرائد والاقتصار على جريدة الجمهورية نظرًا لكونها واسعة الانتشار ومواكبة للأحداث المختلفة وكان اختيار المدّة (1963-1968م) كونها تمثل مدّة خاصة اتسمت بتوجه سياسي محدد، انتهجته الجريدة وأصدرت مواقفها بما ينسجم وهذا التوجه، وهي مدّة حافلة بالأحداث المهمة كما ذكرنا.
عانت الدراسة من بعض الصعوبات والمشاكل، أبرزها سعة الحوادث وغزارتها، وصعوبة الإحاطة بها، وأَنَّ أي مبحث من المباحث الذي ضمته الرسالة، يستحق أن تفرد له رسالة أو أكثر، ورغم هذا جنحت الرسالة إلى التركيز والتكثيف، بحيث تتمكن من عرض صورة واضحة ووافية للحوادث المتناولة والإحاطة بها جيدًا، كما انّ فقد بعض أعداد الجريدة ضمن المدة المتناولة سبب بعض الصعوبات في تتبع حدث ما وإبراز موقف معين منه، ومن الصعوبات التي واجهها الباحث هو جمع أعداد الجريدة لكونها في أماكن ومكتبات متفرقة من بغداد، منها المجمع العلمي العراقي الذي قدّم جهدًا كبيرًا لي في سبيل جمع الأعداد وتصويرها، بالإضافة إلى المكتبة المركزية في جامعة بغداد، إذ كانوا متعاونين جدًا في انجاز عملية جمع الأعداد، أمّا عن المكتبة الوطنية (دار الكتب والوثائق)، إذ كانت تضم أعدادًا قليلة جدًا بالرغم من قلتها إلّا أنّ موظفيها لم يبدوا أي تعاون مع الباحث وأسلوبًا غير لائق بمستوى التعليم في العراق، أمّا بقية الأعداد فقد اضطررت لشراء قسم منها.
حتمت طبيعة الدراسة تقسيمها على أربعة فصول مسبوقة بمقدمة وتمهيد تم التطرق فيه إلى ظهور جريدة الجمهورية وما طرأ عليها من تغيرات للمدة 1963-1968م، وتلا الفصول خاتمة بالنتائج التي أسفرت عنها الدراسة.
جاء الفصل الأوَّل بعنوان (موقف مصر من القضية الفلسطينية وحرب عام 1967م في متابعات جريدة الجمهورية (1963-1968م)) وضم الفصل مبحثين، تناول المبحث الأَوَّل (تغطية جريدة الجمهورية لموقف مصر من القضية الفلسطينية 1963-1968م)، وتم تقسيمه إلى ثلاثة فقرات، تناولت كل فقرة مدّة زمنية مكونة من سنتين، وكالتالي: الفقرة الأولى: (متابعة جريدة الجمهورية لموقف مصر من القضية الفلسطينية 1963-1964م)، الفقرة الثانية: (متابعة جريدة الجمهورية لموقف مصر من القضية الفلسطينية 1965-1966م)، الفقرة الثالثة: (متابعة جريدة الجمهورية لموقف مصر من القضية الفلسطينية 1967-1968م)، وتناول المبحث الثاني (متابعة جريدة الجمهورية لموقف مصر من حرب 1967م)، وجاء في ثلاث فقرات أيْضًا، الفقرة الأولى (متابعة جريدة الجمهورية لموقف مصر من ارهاصات حرب 1967م)، والفقرة الثانية (متابعة جريدة الجمهورية لموقف مصر أثناء حرب 1967م)، أمَّا الفقرة الثالثة (متابعة جريدة الجمهورية لموقف مصر من تداعيات حرب 1967م).
وجاء الفصل الثاني تحت عنوان (جريدة الجمهورية ومتابعتها للتعاون المصري – العراقي 1963-1968م) وتضمن مبحثان، تناول المبحث الأَوَّل (متابعة الجمهورية للعلاقات المصرية العراقية 1963-1964م)، أمّا المبحث الثاني فاستعرض (جريدة الجمهورية ونقل أخبار العلاقات المصرية – العراقية 1965-1968م)، أمّا الفصل الثالث فقد جاء بعنوان (تغطية جريدة الجمهورية للعلاقات المصرية مع دول العالم 1963-1968م) واحتوى على أربعة مباحث، تناول المبحث الأوّل (تغطية جريدة الجمهورية للعلاقات المصرية مع الاتحاد السوفيتي 1964-1968م)، وتطرق المبحث الثاني (علاقات مصر مع الدول الأوروبية وموقفها من القضية القبرصية في متابعات جريدة الجمهورية 1963-1968م)، وتضمن فقرتان، الفقرة الأولى (متابعة جريدة الجمهورية للعلاقات المصرية – الأوروبية)، والفقرة الثانية (تغطية الجمهورية لموقف مصر من القضية القبرصية) والمبحث الثالث (جريدة الجمهورية ونشرها لأخبار تطور العلاقات المصرية – الأميركية 1964-1968م)، والمبحث الرابع (جريدة الجمهورية وأخبار العلاقات المصرية مع الدول الآسيوية ودول عدم الانحياز)، وتناول الفصل الرابع الذي بعنوان (علاقات مصر الخارجية مع الدول العربية والإسلامية والإفريقية في جريدة الجمهورية 1963-1968م)، وتضمن ثلاثة مباحث، حمل المبحث الأوّل عنوان (جريدة الجمهورية وتغطيتها للعلاقات المصرية مع الدول العربية والإسلامية 1963-1968م)، ودرس المبحث الثاني (العلاقات المصرية – الإفريقية في ضوء ما نقلته جريدة الجمهورية 1963-1968م)، والمبحث الثالث بعنوان (متابعة جريدة الجمهورية للتدخل المصري في اليمن).
استعانت الرسالة بعدد من المصادر المهمة ذات الصلة بموضوعنا، مثلما شكلت أعداد الجريدة للأعوام 1963 وحتى 1968م المصدر الرئيس، كما استفادت بعدد من الصحف العراقية والمصرية وأبرزها منها الجمهورية العراقية وجريدة الأهرام والأخبار المصريتان، واستعانت بعدد من الكتب العربية والمعربة، كما عزّزت الرسالة معلوماتها بعدد من الرسائل والأطاريح العراقية والعربية، والموسوعات، والمجلات، وشبكة المعلومات الأنترنيت.